يشبه التاريخ الساحر حلما مدفونًا في أعماق الأرض أو نبضًا ينبض في صميم العروق، ينتظر منا أكتشفه وفتحه. والكشف المذهل لآثار "سانشينغدوي" مثل أسطورة قديمة تعود أصولها إلى آلاف السنين، والتي تنبأت بوصولها للحضارة الحديثة، منتظرة لأن نكشف النقاب عنها وما بها من غموض.

1. لقاء الأسطورة بالواقع

أخيرًا "الأسطورة" تلتقي بالواقع، أجريت عشرات الحفريات في الموقع الأثري "سانشيندوي" بصفتها رمزا لحضارة "شو" القديمة، وذلك منذ الحفريات الأثرية الأولى في عام 1934، بينما وُجدت حفرتَي القرابين رقم 1 ورقم 2 في عام 1986، حيث تم اكتشاف أكثر من ألف قطعة من الآثار الثقافية الثمينة والتي تتضمن مجموعة من التماثيل والأشجار البرونزية، والأقنعة الذهبية، والصوالج الذهبية، واليشم الكبير، والعاج. ولم يتم اكتشاف أي معلومات مكتوبة عن هذه القطع الأثرية حتى الآن، مما وضع ستار حول ثقافة "سانشيندوي".

أعلنت في 20 مارس 2021 الاكتشافات الأثرية الهامة ونتائج البحوث عن آثار "ساشيندوي" في مدينة قوانغهان بمقاطعة سيتشوان، وقد تم اكتشاف ستة حُفر قرابين جديدة في الموقع الأثري. وقد أثارت هذه المكتشفات الأثرية، بما فيها القناع الذهبي الذي يزن 280 غرامًا والتمثال الراكع البرونزي والعدد الهائل من العاج، فضولا وخيالًا لا نهاية له حول حضارة "شو" القديمة مرة أخرى.

2. اللقاء بين الحضارة والتكنولوجيا

من العصر الحجري الحديث إلى عهد أسرتَي شيا وشانغ، كانت هناك حضارات عديدة منتشرة في جميع أنحاء الصين كالنجوم اللامعة في السماء. وبرغم من تطور العلوم والتكنولوجيا، لا تزال عمليات التنقيب عن لآثار "سانشيندوي" مستمرة، ولم يتم حتى الآن، رفع الحجاب حول حضارة "شو" القديمة.

كانت عمليات الحفر على هذه الآثار النادرة والتي لا تقدر بثمن قد توقفت، حيث كان المستوى التكنولوجي والأثري محدودا في ذلك الوقت، بالإضافة إلى أن الآثار المدفونة تحت الأرض لآلاف السنين، ظلت لفترة طويلة في بيئة محرومة من الأكسجين والضوء، وقابلة للتضرر من أكثر العوامل اعتيادا كدرجة حرارة الهواء ورطوبته والضوء التي تتعرض لها فور اكتشافها، في الوقت الذي تم فيه تحطيم توازن والثبات النسبي في البيئة الأصلية. لذلك، كان لا بد من تعليق أعمال التنقيب عن آثار "سانشيندوي" بسبب قيود تقنية الحفاظ على الآثار، وكي لا تتلاشي الحضارة القديمة.

اُستؤنفت أعمال التنقيب في الموقع الأثري "سانشيندوي" في النصف الثاني من العام الماضي. فقامت جميع الأطراف بأعمال التنقيب الكافية بعد فترة طويلة من البحوث والاستعدادات، في ظل تحقيق العلوم والتكنولوجيا طفرة نوعية، والتي ستضمن عملاً ممتازًا في حماية الآثار الثقافية وتجنب التلوث أثناء عملية الحفر، حتى يتم اكتشاف الآثار الفريدة من نوعها. كما قال تانغ في، مدير معهد سيتشوان لبحوث الآثار الثقافية وعلم الآثار، إن حماية الآثار الثقافية هي عملية طويلة، ولا يزال هناك العديد من الأماكن في الحاجة لاستكشافها في "سانشيندوي"، واعتقد أن النمط العام من حضارة "سانشيندوي" والحضارة الصينية ستصبح أكثر وضوحًا مع مرور الوقت. وبدعم من تقنيات مثل منصة السحابة الذكية لتكييف الهواء ومنصة الحماية في حالات الطوارئ، تمكّن التنقيب الأخير من الكشف عن المظهر الحقيقي لعدد كبير من الآثار الثقافية الثمينة، وقد تم حتى الآن اكتشاف أكثر من ألف قطعة لمجموعة أثرية ثقافية هامة.

3. الجمع بين القديم والحديث

سوف تتقدم الصين لمشروع إدراج موقع " سانشينغدوي" في مقاطعة سيتشوان وموقع "جينش" في المقاطعة تشنغدو على قائمة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو، لتسريع بناء منتزه "سانشيندوي" التراثي الوطني، ومواصلة تعزيز التنمية الإبداعية والمبتكرة للثقافة التقليدية الصينية الممتازة التي تحملها آثار "سانشيندوي". ووفقًا لما قاله لوه تشيانغ، نائب رئيس مقاطعة سيتشوان، فإن التنقيب عن هذه الآثار الثقافية الثمينة أعاد تمثيل روعة وعظمة حضارة "شو" القديمة، مما يُظهر تنوع الحضارة الصينية وثرائها وإبداعها. ومن بين هذه الآثار وعاء "تسون" البرونزي المتسم بصفات مشتركة مع الأواني البرونزية التي تواجدت في حوض نهر اليانغتسي في نفس الفترة التاريخية، الأمر الذي قد أثبت كثافة التبادلات بين حوض سيتشوان القديم ومنطقة الروافد الوسطى والسفلى لنهر اليانغتسي ومنطقة السهول الوسطى، والذي يمثل مثالا نموذجيا لدراسة أصول الحضارة الصينية وتنميتها.

وقال لوه تشيانغ أيضًا إنه في الخطوة التالية ستقوم محافظة سيتشوان بعمل علمي مرتب للتنقيب عن الآثار الثقافية بموقع "سانشيندوي" وترميمها وحمايتها، وإنشاء آلية تعاون أثرية شاملة متعددة التخصصات ونموذج جديد لعلم الآثار الذي يجمع بين الدراسة الميدانية والمختبرية، وإطلاق عدد من النتائج الأثرية، ونشر عدد من الأعمال الأكاديمية، وتدريب عدد من المواهب الأثرية، وبناء متحف "سانشيندوي" الجديد بجودة عالية.

تعد ثقافة "سانشيندوي" جزءًا مهمًا من الحضارة الصينية وكنزًا مشتركًا للحضارة البشرية. وقد وجهت كل من منظمة اليونسكو والمركز الدولي لدراسة الحفاظ على التراث الثقافي وترميمه والمتحف الأثري الوطني في اليونان ومتحف موقع تشيتشن إيتزا في المكسيك، تهنئة خاصة عبر مقاطع الفيديو حول هذا الاكتشاف العظيم، متفقة على أن روعة القطع الأثرية العظيمة تدل على تنوع الحضارات القديمة وتشابهها في جميع أنحاء العالم، مما يفيد التبادل والتعاون الثقافي بين الصين والدول الأخرى.

   آثار" سانشيندوي" تعد واحدة من أعظم الاكتشافات الأثرية للبشرية في القرن العشرين، والمعروفة بـ " حضارة وادي نهر اليانغتسي"، كما تظهر لنا أن حوض نهر اليانغتسي، كحوض النهر الأصفر مهد الأمة الصينية، ونجم مبهر في سماء الحضارة الصينية والعالمية.